إخفاق دور الامم المتحده فى سوريا

كتب – د علاء عبد الحميد

حاولت الأمم المتحدة منذ الارهاصات الاولى أن يكون لها دور فاعل في الأزمة السورية، لكن دورها اصطدم بالانقسام الدولي حول دمشق من ناحية، والاطماع الإقليمية في الجيوستراتجية السورية من ناحية أخرى، وهو ما أدى إلى إجهاض أي جهد من قبل المؤسسة الدولية في إحراز أي تقدم يذكر وإيقاف آلة القتل التي لا تفرق بين البشر والحجر. ويجب الفصل بين وكالات الأمم المتحدة مثل: (مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ومنظمة العمل الدولية، واليونسكو، والمنظمات الخاصة باللاجئين والإغاثة) تلك الوكالات التي تقدم مساعدات إنسانية وتخفف معاناة اللاجئين والنازحين، وبين فروع منظمة الأمم المتحدة مثل الجمعية العامة، أو مجلس الأمن الذي يعرقل باستمرار هذه الجهود جراء الانقسامات الدولية.
ويعتبر أبرز أسباب عرقلة دور الأمم المتحدة في سورية، هو “حق النقض الفيتو”، فتفاقم جوانب القصور المؤسسي في الأمم المتحدة بلا جدال يزيد من عجزها ويمنع أداء مهمتها الأساسية في حفظ السلم والأمن الدوليين، فقد منح الميثاق حق النقض الفيتو للدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وإنجلترا، وفرنسا) كنوع من الامتياز بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي اعتبرت الدول الدائمة العضوية فوق القانون الدولي حيث لا يتم محاسبتها بسبب الفيتو. فهو بمثابة وصفة للجمود والشلل بسبب استخدام الدول الكبرى لهذا الحق في تحقيق مصالحها ومآربها داخل مجلس الأمن.
لذلك انحسر دور الأمم المتحدة في المساعدات الإنسانية واقتصر الدور على بعض المنظمات الخاصة بالأمم المتحدة، كمنظمة اليونيسكو، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة العمل الدولية، لكن أغلب هذه المنظمات تمارس عملها خارج الأراضي السورية.
أما بالنسبة لتكرار روسيا والصين استخدام الفيتو فقد كانت له آثار كبيرة على إمكانية للتدخل الدولي عبر مجلس الأمن باتخاذ قرارات للتدخل العسكري لمنع النظام السوري من ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أو اتِّخاذ “تدابير إضافية” حال عدم التزام النظام بخطة المبعوث الدولي العربي المشترك كوفي أنان، حيث يعيق هذا الفيتو أية ترتيبات قد تؤدي إلى تدخُّل عسكري في سورية. أو محاكمة رأس النظام وضباطه ومعاونيه في المحكمة الجنائية الدولية. وذلك بسبب عدم توقيع سورية على النظام الأساسي لمحكمة روما، لذلك تحتاج المحكمة في هذه الحالة إلى تفويض من مجلس الأمن الدولي للنظر في هذه القضية.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة تجاوزت الفيتو الروسي في عدة حالات سابقة كما حدث في حالة البوسنة والهرسك وتدخلت في البوسنة والهرسك بشكل منفرد بعد أن فشلت كل الجهود الدولية في حل الصراع حتى عام 1995 وعملت على تسوية بين الأطراف في اتفاقية دايتون، مما يدفعُنا للاعتقاد بأن الفيتو الروسي، أو معارضة روسيا للتدخل العسكري في سورية ليسا عقبة لا يمكن التغلب عليهما من قبل الولايات المتحدة في حال توفُر الرغبة لديها بالتدخل لحل الأزمة في سورية. وفي هذا السياق نود أن نشير الى ما يلي:
1 ¯ ان مواقف الامم المتحدة من الازمات العربية توضح ضعفا متعمدا في طبيعة الدور المنوط بالمنظمة الدولية بما يكفل لجهاز مجلس الامن قيادة المنظمة واتخاذ ما يتراءى للدول الكبرى من قرارات تخدم مصالحها وتنأى عن انقاذ الارواح التي تزهق امام مرأى المجتمع الدولي ومسمعه ساسة وشعوبا.
2 ¯ بمقارنة معالجة المنظمة الدولية للصراع العربي الاسرائيلي وباقي الازمات الدولية نجد ان هناك تباينا كبيرا حينما تكون هناك مصالح عليا لإحدى الدول الكبرى بما يستدعي التعامل بجدية مع تلك الازمات.
3 ¯ اهمية مراجعة النظام الاساسي للأمم المتحدة في ضوء التغيرات التي طرأت على النظام العالمي الدولي, بعد الحرب الباردة وتغير الظروف التي نشأت فيها هذه المنظمة وكغيرها من المنظمات والمؤسسات التي شهدت تطورا كبيرا على المستوى المؤسسي والاجرائي فان هذه المنظمة العالمية باتت في امس الحاجة الى تغيير كبير على اطارها المؤسسي يحقق المساواة والعدالة بين كل الدول ويكفل لجميع الاصوات خصوصا اصوات العالم الثالث الحيادية والنزاهة وان يلتزم مجلس الامن الدولي بهذه القرارات بحيث تلبي مطالب دول العالم كافة وليس فقط مصالح الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الامن.
4 ¯ ان القيود والمعوقات التي تعوق عمل جهاز الامم المتحدة بما فيها طبيعة النظام الدولي، منحت الفرصة لهذه المنظمة في فترة الحرب الباردة ان تلعب دورا مهما في القضاء على الاستعمار وتعزيز التعاون الدولي بين الدول ونحن في أمس الحاجة الى تفعيل هذا الدور بعد ان تلاشى بسبب هيمنة الدول دائمة العضوية على مجلس الامن الاداة التنفيذية للمنظمة.
5 ¯ اعتبرت الدول الدائمة العضوية ان الامم المتحدة اداة لتنفيذ سياساتها، وخدمة مصالحها الاستراتيجية، ولقد سعى الامناء العامون على التوالي كل حسب قدراته وخبراته للتوفيق بين مهامهم واختصاصاتهم الواردة في الميثاق من ناحية وبين رغبات الدول العظمى من ناحية اخرى التي اعطت نفسها كل الصلاحيات التي تضمن لها الهيمنة على المنظمة بالكامل ومصيرها فيما بعد.
6 ¯ كذلك فان كل المبادرات التي طرحت لإصلاح الأمم المتحدة لم تلق النجاح المأمول حتى نصل بهذه المنظمة الى دورها الذي تتمناه هذه الدول وذلك ما يضفي مزيدا من التشاؤم على امكانية اصلاح هذه المنظمة وتحبط الافكار المطروحة لتعديل هياكلها واضفاء توازن عليها بالإضافة الى كونها تدعم الآراء التي باتت تقول بأهمية ايجاد كيان مؤسسي جديد يتوافق مع طبيعة النظام الدولي الذي نحياه بكل متغيراته ومستجداته.
7 ¯ كما توضح الازمات الراهنة ان دور الامم المتحدة لم يكن بالفاعلية التي توقعها المجتمع الدولي كرد فعل على هذه الازمات وكذا توقعتها الدولة صاحبة الازمة ذاتها وهو ما يخيب امال شعوب العالم الثالث في امكانية اللجوء لهذه المنظمة في حال وقوع نزاع يهدد السلم والامن لحياة شعوبها.
8 ¯ ان غالبية تحركات المنظمة في الازمات العربية اثبتت بطئا اما متعمدا او غير متعمد لكنه في كل الاحوال كان تحركا في غير الوقت المناسب بحيث استفحلت الازمات التي ظهرت ولم تجد كل الادوات الاستباقية وغير الاستباقية التي عرضتها المنظمة بقيادة دولها وهو ما يطرح تساؤلا مهما عن مدى اهمية هذا الكيان ودوره في علاج الازمات التي يمر بها المجتمع العربي سواء في سورية والعراق وليبيا واليمن.
9 ¯ ان مشاركة هموم دول العالم الثالث اصبحت حاجة ملحة وواجبا أكثر من كونها امرا من امور العلاقات الدولية فالإرهاب الذي بات يهدد الكوكب الارض ليس له ارض ولا حدود، ولابد من المشاركة الاممية في هذه الازمات حتى يستطيع الجميع العيش على هذا الكوكب.
– واخيرا فان الظروف الراهنة التي تمر بها الدول العربية من صراعات داخلية على النظم القائمة وانتشار ظاهرة الدول الفاشلة وازدياد معدلات العنف وانتقال الصراعات من دولة لأخرى سيلقي بتبعاته بلا شك على نظرة هذه المجتمعات للدول الغربية التي لم تتحرك لإنقاذها في اوقاتها الصعبة في حين ان مصالحها شكلت خطأ لا يمكن تجاوزه وان تجاوزه يعني استخدام القوة العسكرية او التلويح بها.

شاهد أيضاً

ناصرعبدالحفيظ يكتب محمد سامي يضع مي عمر في قمة الهرم الإبداعي بنعمه الافوكاتوا

ناصرعبدالحفيظ يكتب محمد سامي يضع مي عمر في قمة الهرم الإبداعي بنعمه الافوكاتوا يمتلك محمد …