في كل مرة يُعاد فيها ذكر كارثة غرق السفينة “تيتانيك”، يقفز إلى الذاكرة ذلك المشهد الهوليودي الشهير الذي صنعه جيمس كاميرون، والذي طغى على التفاصيل الحقيقية. غير أن التاريخ يخبئ بين صفحاته بطولة مصرية نادرة، تجاهلها صناع الفيلم عمدًا، ودفنتها الصحف الأجنبية في طيات التغطيات.
البطل هو حمد حسب الله، مصري من مواليد المنيا، وُلد عام 1885، عمل مترجمًا لرجل الأعمال الإنجليزي السير تشارلز وليامز. كان على متن “تيتانيك” في رحلتها الأولى والأخيرة، ليصبح واحدًا من القلائل الذين كتب لهم النجاة من الكارثة.
حين اصطدمت السفينة بالجبل الجليدي وبدأت في الغرق، كان حمد من الناجين القلائل في الدرجة الأولى، بعدما تمكن من القفز إلى أحد القوارب في اللحظات الأخيرة. المفارقة أن عشرات العرب الذين كانوا في الدرجة الثالثة لم يُكتب لهم النجاة، ونعَتْهم الصحف اللبنانية وقتها بكلمات مؤثرة، منها رثاء الشيخ إبراهيم ياسين في جريدة الهدى بعنوان “يا حردين”.
لكن مأساة حمد لم تنتهِ عند لحظة النجاة. إذ ظلّ مختفيًا عن الأنظار لما يقارب ثلاث سنوات كاملة بعد الكارثة، تاركًا زوجته الحامل في مصر في حيرة وظنون. ثم عاد فجأة في مشهد مؤثر لا يقل درامية عن أي مشهد سينمائي. استقبلته زوجته والطفل الذي لم يره منذ ولادته، بينما هو صامت، منكسر، كأن البحر أخذ منه أكثر مما أعطى.
ظلّ حمد صامتًا لسنوات طويلة، يرفض الحديث عن “تيتانيك”، معتزلًا السفر عبر البحر، وكأن التجربة نالت من روحه إلى الأبد. حتى وافته المنية عام 1965، ودُفن في المنيا بعيدًا عن أضواء الإعلام.
ورغم أن قصته تحمل كل عناصر الدراما الإنسانية التي تصلح لفيلم عالمي – الحب، النجاة، الغياب، العودة، الصمت – تجاهلها صناع فيلم Titanic عام 1997، مكتفين بتقديم صورة هوليودية لا تعكس كل الحقائق. فبينما احتفى الفيلم بقصص رومانسية متخيلة، غاب عن الشاشة رجل مصري حقيقي عاش ملحمة لا تُنسى.
إنها شهادة على أن التاريخ لا يكتبه الأقوياء فقط، بل يُعاد تشكيله وفق ما يختاره صناع الصورة. لكن في وجدان المصريين، تبقى بطولة حمد حسب الله حاضرة، باعتباره جزءًا من الحكاية الإنسانية الكبءرى لـ”تيتانيك”