✦ مفردات التراث بين سيناء والمملكة العربية السعودية: نموذج تلاقي العادات والكلمات في نبض الهوية العربية ✍️ بقلم/ د. سهام عزالدين جبريل

✦ مفردات التراث بين سيناء والمملكة العربية السعودية:

نموذج تلاقي العادات والكلمات في نبض الهوية العربية
✍️ بقلم/ د. سهام عزالدين جبريل

يشترك التراث العربي في عمقاته وجواهره في مختلف بقاع الوطن العربي. وبينما تُعتبر سيناء رمزاً لأصالة البدوي وملتقى الحضارات القديمة، تتميز المملكة العربية السعودية بمزيج من العراقة الإسلامية والبدوية. إن مفهوم “مفردات التراث” لا يقتصر على اللغة، بل يشمل الأزياء، والعادات، والموسيقى، والفنون الشعبية، مما يُبرز وحدة الهوية العربية رغم تنوع البيئات ويبرز ذلك من خلال العديد من خطوط التلاقى .

■اولا- سمات و أوجه التقاطع التراثي:

1. اللغة والتعبيرات الشفهية:

في كلا المنطقتين، تبرز الأمثال الشعبية والشعر النبطي كوسيط ثقافي حيّ، ينقل التجارب الجمعية والموروثات الأخلاقية، ويُستخدم في التربية والفضّ بين الناس.

2. الموسيقى والأهازيج:

تشترك سيناء والمملكة في استخدام الأهازيج والرقصات البدوية الجماعية مثل “الدحية” و”العرضة” و”السامر”، والتي تُؤدى في الأعراس والمناسبات القبلية، وتُصاحبها قصائد مدح وفخر.

■ ثانيا – مفردات التراث الملبسي: بين سيناء والسعودية

الزي التقليدي يشكّل أحد أكثر عناصر التراث وضوحًا، حيث يعكس الانتماء الاجتماعي والهوية الثقافية، ويُراعي خصوصيات البيئة الصحراوية.

في سيناء:

يرتدي الرجال الثوب الأبيض الفضفاض والعباءة، ويضعون الكوفية أو الشماغ الأحمر، غالبًا دون عقال.

النساء يرتدين ثوبًا أسود مطرزًا يدويًا (يسمى السروال أو الزبون) بخيوط زاهية، ويغطين رؤوسهن بـ”الشيلة”، ويزين أنفسهن بالمشغولات الفضية.

الملابس تُطرّز يدويًا بخيوط ملونة بأشكال هندسية أو رمزية تمثل الطبيعة والهوية.

في السعودية:

يرتدي الرجال الثوب الأبيض والغترة أو الشماغ (غالبًا مع العقال)، مع البشت في المناسبات الرسمية.

النساء يرتدين “العباءة” فوق أثواب داخلية مطرزة، ويستخدمن الحلي الذهبية بكثافة في الأعراس.

الزينة ترتبط بالأعياد والأعراس، وتشمل الكحل والحناء والعطور الشرقية.

💠 اوجه التشابه بين الجانبين:

توحدهم الرمزية في اللون: الأبيض للرجال كرمز للنقاء، والأسود للنساء كرمز للخصوصية والهيبة.

الاستخدام المشترك للحناء والكحل والعطور العربية كأدوات للتجميل والتميّز.

الاعتزاز بالزي التراثي في المناسبات القومية والاحتفالية كعنصر من عناصر الهوية.

■ ثالثا – التشابه في العادات والتقاليد:

تشترك سيناء والسعودية في منظومة من القيم والعادات البدوية التي تصون النسيج الاجتماعي:

١-الضيافة: تُعتبر من أسمى القيم، ويُقدّم القهوة والشاي والولائم، ويُستقبل الضيف دون سؤال عن هويته.

٢-المجالس القبلية: مكان للفصل في النزاعات، واستقبال الضيوف، والتشاور، ويُمارَس فيها الشعر والسرد.

رابعا -العلاقة مع الأرض والطبيعة: يعيش سكان المنطقتين في انسجام مع الصحراء، ويُجيدون فنون الترحال والرعي وحفظ الماء والطعام ويتميز أهلها بالعديد من التشابه فى اسلوب إدارة معيشتهم والتفاعل مع تلبية المحلية من خلال احياء العديد من الأنشطة مثل :
الأعراس والمناسبات:
والتى يُحتفل بها جماعيًا، وتُستخدم الطبول والرقصات الشعبية، وتُوزَّع الهدايا، ويُقام “بيت الشعر” أو “بيت العرس”.

خامسا -المرأة في المجتمع: رغم الطابع القبلي المحافظ، للمرأة مكانة اعتبارية مهمة، خاصة في نقل الموروث وتربية الأجيال، وهي حارسة العادات داخل المنزل وحافظة القيم المجتمعية.

■ سادسا – الخصوصيات المحلية:

في سيناء: تبدو ملامح التعدد العرقي (بدو، حضر، وافدين) وهذا أضفى تنوعًا على الزينة والأزياء والمطبخ، كما تتجلى الروح الصوفية في كثير من المظاهر.

وفي المملكة: يتنوع التراث من الحجاز إلى نجد إلى الجنوب، وتنعكس الفوارق البيئية في اللباس والموسيقى والتقاليد، لكن يجمعها السياق العربي البدوي والإسلامي.

■ سابعا-التحديات والفرص:
من المؤكد أن رياح الحداثة قد هبت على مجتمعات البادية لكنها لم تغير القيم والعادات والتقاليد والسمات العربية الأصيلة ولكن لابد أن يكون هناك بناء مجتمع للحفاظ على سمات هذه المجتمعات والمؤامة بين الاختيار للانطلاق نحو التقدم والتطور وبين الحفاظ على القيم والموروث الشعبى المحلى للبيئة وحمايتها من :

1. التحولات الحضرية واندثار العادات

2. غياب التوثيق الشامل للتراث الشفهي

3. انقطاع الجيل الجديد عن مفردات الزي والموسيقى التراثية

4. فرصة إحياء التراث عبر التكنولوجيا والاحتفالات الوطنية.

■ الخاتمة:

إن مفردات التراث بين سيناء والمملكة العربية السعودية تحمل ذاكرة أمة، لا مجرد ماضٍ منسي. وفي هذه التفاصيل — من الثوب المطرز إلى رقصة العرضة، ومن أمثال الجدات إلى القهوة على الرمل — نجد هويةً واحدةً تتجاوز الجغرافيا، وتصمد أمام الزمن. إنها الهوية العربية حين تنطق بلغتها البدوية الصافية، وتُعلن انتماءها للتاريخ، لا للزمن العابر.
—
خالص تحياتى
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
– زمالة الأكاديمية الوطنية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا