لم يعد من الممكن أن نغضّ الطرف عن الأثر العميق الذي تُحدثه الشاشات في تشكيل عقول الأطفال ووجدانهم، خاصة مع التقدّم المذهل في تكنولوجيا الاتصالات وسهولة الوصول إلى محتوى مرئي ضخم دون رقابة حقيقية. تشير دراسات متخصصة إلى أن الطفل في عالمنا العربي قد يقضي ما بين 4 إلى 6 ساعات يوميًا أمام الشاشات بمختلف أنواعها (تلفزيون، هاتف، يوتيوب، ألعاب فيديو)، وهو وقتٌ يفوق في كثير من الأحيان ساعات جلوسه مع أسرته أو مشاركته في أنشطة واقعية.
أرقام ودلالات مقلقة
بحسب تقرير منظمة اليونيسف (2022)، فإن التعرض المفرط لمحتوى غير موجّه قد يروّج للعنف أو التنمر أو المفاهيم المغلوطة حول الهوية والمعتقدات. وتؤكد الجمعية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) أن الأطفال تحت سن 8 سنوات هم الأكثر تأثرًا، إذ لا يملكون القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال بسهولة، ما يجعلهم فريسة سهلة للصور النمطية السلبية أو العادات الدخيلة.
كيف نواجه ذلك؟
وسط هذا المشهد المزدحم بالمحتوى غير المنضبط، تزداد الأصوات الداعية إلى تقديم بدائل تربوية تحترم عقل الطفل وتزرع فيه القيم الأخلاقية الأصيلة. من هنا جاءت فكرة إنتاج فيديو تربوي بسيط ضمن مبادرة «طفل وشاشة»؛ ليقدّم محتوى موجّهًا يذكّر الأهل والأطفال معًا بما غاب عن تفاصيل حياتنا اليومية بفعل إيقاعها السريع.
يركّز الفيديو على بناء مجموعة من القيم الضرورية:
• قيمة الشكر والامتنان: الاعتراف بفضل الآخرين مهما صغر.
• الحذر من الغرباء: توعية الأطفال بأسس الأمان الشخصي.
• تعزيز روح التعاون الأسري: غرس الشعور بأن الأسرة شبكة أمان ومحبة.
قد تبدو هذه الرسائل بديهية، لكنها ليست كذلك في زمن تراجعت فيه جلسات الحوار العائلي لحساب الشاشات الصغيرة!
بين الإنتاج والمتابعة
يأمل القائمون على هذا العمل التربوي أن يكون خطوة متواضعة على طريق طويل، فالطفل بحاجة دائمة لمحتوى مرئي يُشبهه وينتمي إلى قيمه الثقافية. وهنا، يبقى دور الأسرة جوهريًا: المتابعة، الاختيار، والنقاش حول ما يشاهده الأبناء.
إن أخطر ما يواجهنا كأسر ومجتمعات هو ترك الطفل وحيدًا أمام شاشة بلا أسئلة ولا حوارات؛ إذ يؤكد خبراء التربية أن أكبر وقاية للطفل من أثر المحتوى المضلل هو التفاعل والحوار الدائم بينه وبين أسرته.
رسالة أمل
ختامًا، فإن الحفاظ على هوية الطفل وسط طوفان المحتوى التجاري الاستهلاكي ليس مهمة سهلة، لكنه ليس مستحيلًا أيضًا. لنصنع البدائل بأنفسنا، ولنعلّم أبناءنا كيف يختارون، ولنكن قدوتهم الأولى في الشكر، والحذر، والتعاون
بوابة الأخبار العربية تأسست وكالة A N G عام 2009 على يد الفنان والكاتب الصحفي ناصر عبد الحفيظ 