اخبار عاجلة

صنع الله إبراهيم… فارس الحرف العنيد بقلم سعادة عبدالله بن ناصر الرحبي سفير سلطنة عمان بمصر ومندوبها الدائم لجامعة الدول العربية

صنع الله إبراهيم… فارس الحرف العنيد
بقلم
عبدالله بن ناصر الرحبي

رحل عنا الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، أحد أعمدة الرواية العربية، وقامة فكرية مصرية سامقة، وصوت من الأصوات النادرة التي بقيت وفية للكلمة وموقفها، حاملةً على عاتقها همّ الأمة، وقلق التاريخ، ورفض السكون.

لقد كان من ذلك الجيل العربي الذي عاش لحظات التحوّل الحاسمة في تاريخنا السياسي والفكري، وحوّل كل ذلك إلى مشروع سردي وطني يتقاطع فيه الأدب بالتاريخ، والفن بالموقف.

أتذكّر جيدًا زيارته إلى سلطنة عُمان، وقد كان لمعالي عبدالعزيز بن محمد الرواس، وزير الإعلام الأسبق، دور كبير في ترتيب تلك الزيارة، كما كان له، من قبل، الفضل في تأسيس علاقات ثقافية وإعلامية متينة بين عمان ومصر، وتجذير مشروع تنويري عربي الطابع، شهد محطات فكرية مضيئة، كانت زيارة صنع الله إبراهيم إحداها.

حينها، كنت مديرًا عامًا لمكتب معاليه، وتولّيت متابعة تفاصيل الزيارة وبرنامجها، ورافقته شخصيًا في عدد من اللقاءات. وأكثر ما رسخ في ذاكرتي، كان لقاؤه بالشاعر العُماني الكبير الشيخ عبدالله بن علي الخليلي – رحمه الله – في بيته العامر في القرم. حضر اللقاء أحد أبناء الشيخ، ودار حوار راقٍ جمع الشعر بالأدب، والمخزون العربي بالوعي النقدي، وخرج منه صنع الله بانطباعٍ بليغٍ أثنى عليه كثيرًا بعد انتهاء الزيارة.

بعد تلك الرحلة، استمر التواصل بيني وبينه، وكان ودودًا، رصينًا، مخلصًا لأفكاره. وحين عدت إلى القاهرة ممثلًا لبلادي، حاولت اللقاء به، إلا أن صحته – آنذاك – لم تكن تسمح بذلك.

ولصنع الله إبراهيم حضور خاص في الذاكرة الأدبية العُمانية، لا سيما من خلال روايته الشهيرة “وردة”، التي تناول فيها تجربة عمانية سياسية شائكة، من زاويته ككاتب يساري. وقد علّق على تلك الرواية أحد أبرز مثقفي عُمان، وهو الصحفي والشاعر الشيخ حمود بن سالم السيابي، الذي كتب مقالًا لافتًا بعنوان: “وردة على مرقد صنع الله إبراهيم”، جاء فيه:

“وردتنا الجبلية لها عطرها الخاص، ولن يعرف شيفرة ألوانها إلا زُرّاعها. ومهما بلغ الكاتب من موهبة وتقنية، ستظل كتابته عن وردة من خارج نصّها الحقيقي”.

فرغم الاحترام الكبير لقيمة صنع الله الأدبية، فقد قرأها أبناء التجربة من زاويتهم، في نقد هادئ، يفتح باب التأويل دون مصادرة.

لكن يظل صنع الله إبراهيم رمزًا روائيًا عربيًا شامخًا، ومقاتلًا بالقلم، صلبًا في مواقفه، عنيدًا في فكره، غير مهادن في قناعاته.
ترك خلفه أعمالًا ستبقى مراجع أدبية وسياسية، منها: اللجنة، ذات، شرف، العمامة والقبعة، ووردة، وكلّها تشكّل سجلًا حيًا لعصر عربي مرير، عاشه وواجهه بعين الناقد لا المصفق، وبفكر المثقف لا الموظف.

وإذ نودّع اليوم هذه القامة الأدبية، فإنني، باسمي وباسم كل مثقف وكاتب في سلطنة عُمان، أتوجّه بخالص التعزية والمواساة إلى أسرته الكريمة، وإلى وزارة الثقافة المصرية، وإلى شعب مصر الشقيق، وإلى مثقفيها ومبدعيها الذين تشاركنا معهم الهمّ العربي، والوجع العربي، والأمل العربي.

لقد رحل صنع الله إبراهيم، لكن الكلمة لا تموت.
والرواية لا تُدفن، ما دامت تحكي عنّا… وتنبض بنا

شاهد أيضاً

blank

د.على ناصر سلمان يفسر معنى العلاقات التوكسيك( السامة) وتاثيرها على الصحة النفسية

      العلاقات التوكسيك ( السامة) ان العلاقات التوكسيك (السامة) هي علاقات مضرة نفسيًا …