
خالد عاشور يكتب : ماذا لو نستفيق… ليبيا إلى أين؟
في خضم التحولات الكبرى، تنبع أهمية السؤال: ماذا لو نستفيق؟ لا نعني هنا استيقاظًا من نومٍ عابر، بل من غفلة امتدت سنوات طويلة. غفلة الانقسام الذي جعل من الإخوة خصومًا، غفلة الصراعات التي استنزفت طاقات البلاد، وغفلة البحث عن المصالح الضيقة على حساب مصلحة الوطن.
مقومات القوة: ثراء واقتصاد وشباب
رغم كل ما مرت به ليبيا، فإنها لم تفقد مقومات النهوض. بل العكس، ما تزال تملك رصيدًا استراتيجيًا نادرًا في المنطقة:
• شعب شاب: يبلغ عدد سكان ليبيا اليوم نحو 7.46 مليون نسمة، بمتوسط عمر 27.7 عامًا، وأكثر من 64% منهم شباب بين 15 و40 عامًا. هذه التركيبة السكانية تجعلها دولة فتية قادرة على التغيير والإبداع.
• موارد نفطية هائلة: يشكّل النفط أكثر من 95% من الناتج المحلي والصادرات. في النصف الأول من 2025 وحده، وصلت العائدات إلى 9.43 مليار دولار. كما ارتفع الإنتاج في مارس 2025 إلى 1.318 مليون برميل يوميًا، وهو مؤشر على قدرة القطاع على التعافي.
• موقع استراتيجي: تقع ليبيا على بوابة المتوسط، وتشكل صلة وصل بين أفريقيا وأوروبا، ما يمنحها إمكانات كبيرة لتكون مركزًا للتجارة والطاقة.
• اهتمام دولي متجدد: وقّعت شركات كبرى مثل BP وShell وENI اتفاقيات جديدة للتنقيب، في أول جولة استكشاف منذ 17 عامًا، ما يعكس الثقة المتزايدة في مستقبل قطاع الطاقة الليبي.
التحديات المستمرة
لكن هذه الإمكانات لا تُخفي حجم التحديات:
• الاعتماد المفرط على النفط يجعل الاقتصاد هشًا أمام تقلبات السوق العالمية.
• الفساد المؤسسي يعمّق أزمة الثقة؛ إذ صنّفت “الشفافية الدولية” ليبيا في المرتبة 173 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد لعام 2024.
• غياب الاستقرار السياسي يُبقي المؤسسات ضعيفة ويعطّل التنمية المستدامة.
• ضعف تنويع الاقتصاد: رغم أن القطاع غير النفطي نما بنسبة 7.5% في 2024، إلا أن مساهمته ما زالت محدودة أمام ثقل النفط.
الاستفاقة الوطنية: ضرورة قبل فوات الأوان
إن الاستفاقة التي يحتاجها الليبيون اليوم ليست شعارًا، بل مشروع عمل. مشروع يبدأ بمراجعة الذات، والاعتراف أن الاستمرار في الانقسام لا يقود إلا إلى مزيد من الاستنزاف.
• يجب أن تتحول العائدات النفطية إلى مشاريع تنمية في التعليم، الصحة، والبنية التحتية.
• لا بد من محاربة الفساد عبر أنظمة حوكمة شفافة وقوانين واضحة.
• على الدولة أن تفتح المجال أمام القطاع الخاص والمشاريع الشبابية لتقليل البطالة التي يعاني منها الآلاف.
• والمصالحة الوطنية تبقى شرطًا أساسيًا لتجاوز الماضي وبناء دولة قادرة على حماية سيادتها.
ليبيا إلى أين؟
الجواب يتوقف على لحظة الاستفاقة. إما أن تبقى ليبيا رهينة الصراعات، أو أن تتحول إلى نموذج للاستقرار والنهوض في المنطقة. فالموارد متاحة، والموقع حاضر، والشباب موجودون، ولا ينقص إلا القرار السياسي الموحد والإرادة الوطنية.
الاستفاقة الآن تعني:
• دولة قانون ومؤسسات قوية.
• موارد مُدارة بعدالة وكفاءة.
• مستقبل يصنعه الشباب وتفخر به الأجيال.
ليبيا أمام فرصة تاريخية: أن تنهض الآن، أو أن تستنزف ما تبقى من قوتها
بوابة الأخبار العربية تأسست وكالة A N G عام 2009 على يد الفنان والكاتب الصحفي ناصر عبد الحفيظ 