بسمة الخولي تعيد نشر مقالتها عن خنوم

بسمة الخولي تعيد نشر مقالتها عن خنوم

إعادة نشر لواحد من أهم المقالات المقربة لقلبي، واللي كتبته أول مرة في 2023. قلت وقتها إنه مقال طويل لكن مهم جدًا، وبكرر الكلمة تاني: مقال طويل لكن مهم جدًا فعلًا.

ليه إعادة النشر يا بسمة؟

لإن لسه راجعة من زيارة للمكان نفسه على أرض الواقع لأول مرة في حياتي.

المقال عن مين؟

عن خنوم.

في زمن بعيد جدًا، قبل الزمن المعروف، وقت ولادة الأساطير، كان في كيان مصري قديم اسمه Khnum أو خنوم.

خنوم واحد من أقدم الكيانات المصرية المعروفة، أقدم من رع حتى. وطبقًا للأساطير، كان المسؤول عن مصدر النيل في البداية، وبسبب امتلاكه العلم اللي بيحدد نسبة الطمي المناسبة في ماء النيل، أصبح المسؤول الأصلي عن التشكيل بالطمي.

وبحسب الأسطورة، هو اللي شكّل أجساد الكيانات المصرية القديمة كلها، والبشر كلهم، وهو اللي كان يحدد نسب التراب والطمي في الأرض… يعني كان مسؤولًا عن نِسَب كل شيء يطرح حياة.

عشان كده أطلقوا عليه صانع الخزف المقدس أو divine potter. ولأن الطمي هو المادة الأساسية للحياة، أصبح خنوم مرتبطًا بالخصوبة أيضًا.

الجزء اللي كان خنوم بيصنعه في البشر هو الجسد المادي، لكنه مش الكيان الكامل للإنسان. القدماء المصريين كانوا شايفين إن الكيان البشري مكوّن من 10 أجزاء، أهمهم 3 ذُكروا كثيرًا:

  1. الآخ – akh
    الجزء من روحك اللي ميموتش. الجزء النقي اللي بيتوحد مع الأصل. ومرتبط بقوة باسمك الأصلي، عشان كده المصريين القدماء كانوا بيقدسوا الأسماء وبيتخذوا أسماء ملكية مختلفة للحفاظ على قوة هذا الجزء.
  2. البا – ba
    الجزء الذي يسافر بين العوالم المختلفة ويحمل شخصيتك.
  3. الكا – ka
    وله جانب روحي يسافر في الأحلام، وجانب مادي يتواجد في المقبرة بعد الموت، وهو اللي كانوا بيقدملُه الطعام والشراب والباب الوهمي وغيرها.
    ويُقال إنه الجسد الأثيري… ويُقال إنه القرين، وده محتاج بوست لوحده.

المهم هنا إن الكا كان يصنعه مين؟

تمام… خنوم أيضًا. كان يصنعه على عجلة صناعة الصلصال مع ميلاد كل إنسان.

وبعد الموت، يتوحد الكا والبا ويسافرا للعالم الآخر، وبعد انتهاء الرحلة يتوحدا مع الآخ للوصول للنعيم.

خنوم كان مسؤولًا ضخمًا عن جزء أساسي من عملية الوجود:

– الصناعة بالطمي

– مصدر النيل

– أنهار العالم السفلي

– حماية الموتى أثناء رحلتهم

– وصناعة المركب اللي كان رع يستخدمه في رحلته للعالم السفلي.

وفي بعض النصوص، رع كان ياخد شكل خنوم خلال رحلته للعالم السفلي.

وبما إن البشر بيرمزوا المفاهيم بالكائنات، اتخذ خنوم رمز الكبش، المعروف بقوة تحمله وخصوبته.

تم تقديس خنوم في مصر كلها.

واتعمل له معبد كبير في إلفنتين بأسوان مع رفيقته ساتيس Satis وابنتهم عنقت Anuket.

وفي عهد الدولة الحديثة، خصوصًا في عهد رمسيس الثاني، ذُكروا معًا في معبد بيت الوالي في النوبة.

وفي الشمال، عند الدلتا، ظهر شكل آخر لخنوم بأربع رؤوس كباش باسم Banebdjedet.

ليه أربع رؤوس؟

لأنه يمثّل أرواح:

أتوم – شو – جب – أوزيريس.

المدينة اللي كان يُقدَّس فيها هذا الشكل كانت اسمها Djedet، ومعناها مملكة الكبش حاكم عمود الجد.

الاسم ده الإغريق أطلقوا عليه بعدين Mendes.

في الفترة دي، اليونانيون لما دخلوا مصر دمجوا أساطيرهم مع أساطير المصريين القدماء.

ومن بين المؤرخين اللي تواجدوا هناك:

هيرودوت – ديودور الصقلي – بطليموس وغيرهم.

هيرودوت ذكر أسطورة إن هرقل كان عايز يقابل زيوس، وزيوس رفض… إلا لما لبس رأس كبش وصوفه. ومن هنا حصل دمج بين الرموز، وأصبح للكباش دور في طقوس أخرى مرتبطة بزيوس وهرقل.

ومع الوقت، انتشر رمز الكبش في معظم الأساطير باعتباره رمزًا للقوة، النار، البقاء، النسبة الذهبية…

وكان دائمًا مصحوبًا برمز النجمة الخماسية اللي كانت رمز:

– الكمال

– الروح

– النور

– المعرفة

– الحماية.

بعد القرن التاسع، بدأ يظهر اسم بافوميت.

وفي القرن التاسع عشر، اتسرقت الرموز وتم تشويهها بالكامل على يد:

إليفاس ليفي – أليستر كراولي.

ثم أسس أنطوان ليفي سنة 1966 كنيسة الشيطان، واستخدم رأس الكبش والنجمة الخماسية بعد قلبها، وبدأت ترتبط بالجانب المظلم بالكامل.

وبقى عندنا 57 سنة فقط مسحت آلاف السنين من المعاني الأصلية.

وهنا كانت أهمية اكتشاف حديث في معبد رمسيس الثاني في أبيدوس لأكثر من ألفي رأس كبش محنطة من العصر البطلمي… ومعها ظهور رمز النجمة الخماسية.

معلومة أخيرة:

في لوحة المجاعة – Famine Stela في جزيرة سهيل بأسوان، وهي من العصر البطلمي لكنها تسجل قصة الملك زوسر من الأسرة الثالثة:

تذكر اللوحة إن مصر مرت بسبع سنين عجاف بسبب الجفاف.

الملك كان في ضيق شديد، فسأل وزيره إمحوتب عن الكيان المسؤول عن ماء النيل.

إمحوتب بحث في سجلات معبد تحوت، واكتشف إن المسؤول هو خنوم.

فسافر للمعبد، تطهّر، وصلى، ونام فتجلى له خنوم في حلم ووعده بالمساعدة.

فأمر الملك بترميم معابد خنوم وتقديم القرابين.

الدلالة من القصة:

– التاريخ المصري أطول وأعمق مما نتصور.

– ومصر مرت بأكثر من سبع سنين عجاف قبل قصة يوسف بقرون طويلة.

الخلاصة:

إعرفوا أصول الرموز.

إبحثوا.

لأن الحقيقة أقدم وأعظم بكتير من الروايات الحديثة اللي مسحت تاريخ آلاف السنين.

ليلتكم جميلة

شاهد أيضاً

هند حماد تكتب : برة المنافسة

هند حماد تكتب : برة المنافسة كل واحد مننا بيختار نعمة عظيمة أسمها “بره المنافسة” …