✍️ بقلم: ناصر عبدالحفيظ
منذ فجر التاريخ، وقف الإنسان أمام لغز النفس والروح، متسائلًا: من يحمل وزر أعمالي؟ ومن يذوق ثمار ما زرعت يداي؟
مصر القديمة… العقيدة الموحدة الأولى
في الحضارة المصرية القديمة، التي سبقت التوراة والإنجيل والقرآن، سُطرت على جدران المعابد وبرديات الأهرام و”كتاب الموتى” عقيدة واضحة لا لبس فيها:
“لا تزرع الشر فيعود إليك، ولا تغلق قلبك عن العدل، فإنك تُجازى بعمل يديك.”
هناك، في قاعة “ماعت”، كان المتوفى يُحاسب أمام ريشة الحق، لا يُسأل عن ذنب غيره، بل عن ذنوبه هو، ولا يُجازى بعمل سواه، بل بما قدمت يداه.
كانت تلك العقيدة الموحدة القديمة حجر الأساس الذي سيجد صداه في الرسالات اللاحقة.
في التوراة
جاءت التوراة مؤكدة نفس المبدأ:
• “لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الآباء. كل إنسان بخطيئته يُقتل” (تثنية 24: 16).
• “النفس التي تخطئ هي تموت” (حزقيال 18: 4).
في العهد الجديد
وفي الإنجيل، حمل المسيح التعاليم نفسها:
• “لأن كل واحد سيحمل حمل نفسه” (غلاطية 6: 5).
• “لأن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا” (غلاطية 6: 7).
في القرآن الكريم
ثم جاء القرآن الكريم ليجمع هذه العقيدة الكونية ويؤكدها بصيغ متعددة، حتى لا يلتبس الأمر على أحد:
• من شكر فإنما يشكر لنفسه (لقمان: 12).
• من تزكّى فإنما يتزكّى لنفسه (فاطر: 18).
• من جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين (العنكبوت: 6).
• من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها (الزمر: 41).
• من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها (فصلت: 46).
• ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه (محمد: 38).
• ومن نكث فإنما ينكث على نفسه (الفتح: 10).
• ومن يكسب إثمًا فإنما يكسبه على نفسه (النساء: 111).
• فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها (الأنعام: 104).
كلها تصب في معنى واحد: أن الإنسان مسؤول عن نفسه، راعٍ لعمله، لا يحمل أحدٌ عن أحد وزرًا ولا يذوق أحدٌ عن أحد جزاء.
الخاتمة الروحية
وهكذا، من ضفاف النيل حيث بزغت العقيدة الموحدة، إلى أرض القدس حيث نزلت التوراة، إلى الجليل حيث صدح صوت المسيح، إلى مكة حيث اكتمل الوحي… ظلّت الرسالة واحدة، تعلن بوضوح:
من أبصر فلنفسه، ومن عمل صالحًا فلنفسه، ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه.
ولهذا جاء الدعاء الذي يختصر رحلة الرسالات جميعًا:
“اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.