إشكالية المفكر في عالمنا العربي

بقلم – خالد جعفر

إذا كانت القراءة هي الزاد الثقافي والمتعة التي لا يختلف عليها اثنان ، فإن الكتابة هي مصدر السعادة والشقاء والمعاناة في الوقت ذاته .
وإذا شبهنا القارئ بالأبناء المدللين الذين يأتيهم الطعام الشهي بصنوفه وأنواعه ، فإن الكاتب بمثابة الأبوين اللذين يشقيان في الحياة ويجاهدان من أجل صناعة وتقديم هذا الزاد والشراب في أبهى صورة .
وهنا لابد وأن نفرق بين الكاتب المفكر والكاتب الإخباري التقريري . فكلاهما كاتب يجتهد . ولكن أيا منهما أكثر معاناة وألما واعتصارا لقلبه وعقله وفكره ؟
بالتأكيد ستكون كفة المعاناة لدى الكاتب المفكر هي الأرجح . فهو الأكثر عمقا وفهما والأقدر على تحليل المواقف ما ورد منها سابقاً أو لاحقاً ، فهو يعيش كل الأحداث والأزمان والأفكار ولاينفصل عنها ، فهو عقل لايهدأ ، وعين لاتنام ، وقلب لايتوقف عن النبض ، يصهر كل تفكيره لاستجلاب الأسانيد والأدلة النقلية والعقلية حتى يثبت فكرته ويستقر يقينه .
وهنا تبدأ معاناته الثانية عندما يعرض فكرته ويصطدم بثقافة مجتمعه التى سكنت وتوقفت منذ زمن بعيد والتي كثيراً ماتكون قاصرة عن فهم مراده وإدراك قرارة نفسه ووضعها في دائرة الاشتباه وفي ذلك الإطار الذي لم يستطيعوا تجاوزه .
كل الفلاسفة والمفكرين أحدثت أفكارهم صدمة فكرية وعقلية في مجتمعاتهم وأزمانهم المختلفة بداية من سقراط وابن رشد حتى الإمام محمد عبده وطه حسين ونصر حامد أبو زيد .
فالكاتب المفكر ربما لايضع هذا في حساباته ولايخشى هذا الصدام ، ولايخاف على نفسه ولا أفكاره لأنه يدرك مدى الفوارق العقلية والفكرية والثقافية بينه وبين العقل الجمعي للمجتمع . هم يدورون في نفس الدائرة المغلقة بينما هو يخترق محيط هذه الدائرة ، عابرا إلى الفضاء الخارجي ، محلقا بأفكاره إلي العالم اللامحدود ، يدركه من يدرك ويسعى معه في فلكه ، ويتهاوى ويتعثر ويسقط من لايستطيع اختراق هذا المحيط المحدود .
مشكلة الكاتب المفكر في مجتمعنا العربي أنه رهين بتأويلات القراء ومعايير أحكامهم المقيدة بأغلال صدئة منذ زمن بعيد .
كل يفسر كلماته حسبما يرى ، بلا وعي ولا إدراك ، وينسجون بخيالهم وفكرهم المحدود ماليس في نفسه مطلقاً ثم يمررون أفكاره على معتقداتهم الجامدة ويحكمون عليها بثقافة فكر النقل . وهذا بالطبع قياس مغلوط ليس فيه تدبر ولاتفكر .
صراع سيظل دائماً ومحتدما بين الكاتب المفكر وثقافة المجتمع في عالمنا العربي .. وفي الأغلب الأعم تتغلب ثقافة المجتمع النقلي على ثقافة الفكر والعقل . وهنا يتوقف زمننا العربي ويبقى الحال على ما هو عليه إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا .
(قالوا سبحانك لاعلم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم)
صدق الله العظيم

 

شاهد أيضاً

ناصرعبدالحفيظ يكتب محمد سامي يضع مي عمر في قمة الهرم الإبداعي بنعمه الافوكاتوا

ناصرعبدالحفيظ يكتب محمد سامي يضع مي عمر في قمة الهرم الإبداعي بنعمه الافوكاتوا يمتلك محمد …