ندوة «حرب أكتوبر: التاريخ والوعي والذاكرة» تستعيد بطولات النصر وتؤكد أن الانتماء لا يشيخ
نظم مركز تاريخ مصر المعاصر التابع للإدارة المركزية للمراكز العلمية بـالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ندوة علمية موسعة تحت عنوان «حرب أكتوبر 1973: التاريخ والوعي والذاكرة»، بمشاركة نخبة من المؤرخين والخبراء العسكريين والباحثين، وذلك في إطار احتفالات وزارة الثقافة بالذكرى الثانية والخمسين لانتصارات أكتوبر المجيدة، تحت شعار فرحت مصر.
شارك في الندوة كل من: اللواء طيار أركان حرب متقاعد حسن راشد الحاصل على وسام النجمة الذهبية، واللواء أركان حرب متقاعد محمد محمود فرغلي مستشار مركز التنمية البشرية والعلوم السلوكية بالقوات المسلحة والحاصل على ميدالية حرب أكتوبر، والدكتور أشرف قادوس رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية، والدكتور محمد محروس غزيل مدرس التاريخ الحديث المساعد بجامعة القاهرة، والدكتور أحمد متولي الباحث في التاريخ العسكري، والكاتب الصحفي أحمد عاطف، والباحثة العسكرية أميرة فكري من مركز تاريخ مصر المعاصر.
استهل فعاليات الندوة الأستاذ الدكتور أحمد الشربيني بكلمة افتتاحية رحب فيها بالسادة الحضور، مؤكدًا أن الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر ليس مجرد استدعاء لحدث تاريخي، بل هو استحضار لقيم الانتماء والفداء والتكاتف التي صنعت هذا النصر العظيم، وأشار إلى أن الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تحرص من خلال مراكزها العلمية على ترسيخ الوعي الوطني في نفوس الأجيال الجديدة عبر البحث والتوثيق والمناقشة العلمية الرصينة.
ثم انتقلت الكلمة إلى الدكتور أشرف قادوس، الذي تحدث عن مفهوم الذاكرة الوطنية وأهمية الحفاظ عليها عبر الأجيال، مؤكدًا أن الشعوب لا تنهض إلا حين تعي تاريخها وتستوعب دروسه. وأوضح أن الذاكرة الجماعية المصرية لا تزال تنبض بروح أكتوبر، داعيًا إلى تعزيز إنتاج الأعمال الفنية والإعلامية التي تستلهم هذا النصر وتعيد بث الروح الوطنية في وجدان المواطنين، وأشار إلى أن حرب أكتوبر كانت انتصارًا لإرادة الشعب كله، وأن القوات المسلحة هي ابنة هذا الشعب الذي صنع المجد بعرقه وصموده.
وفي كلمته، استعاد اللواء طيار أركان حرب متقاعد حسن راشد – الحاصل على وسام النجمة الذهبية – ذكريات مشاركته في حرب أكتوبر المجيدة، مؤكدًا أن الشباب في ستينيات القرن الماضي كان مدفوعًا بروح القومية العربية وحلم الوحدة، وروى كيف التحق بالكلية الجوية في نوفمبر 1966 بعد أن ترك كلية الصيدلة تحقيقًا لحلمه بأن يصبح طيارًا، لكنه شهد بعد عام واحد مرارة نكسة 1967، ليتعلم ومعه زملاؤه درس الصبر والإصرار والإعداد الحقيقي للنصر.
وأكد أن النصر في أكتوبر 1973 لم يكن نصرًا عسكريًا فقط، بل نصرًا لشعب بأكمله التف حول قواته المسلحة، وأثبت أن الإيمان بالوطن والعمل الجاد هما سر النجاح والانتصار في كل زمان.
كما تحدث اللواء أركان حرب محمد محمود فرغلي، مستشار مركز التنمية البشرية والعلوم السلوكية بالقوات المسلحة، مستعرضًا تجربته في سلاح الدفاع الجوي خلال فترة الإعداد للحرب، وأوضح أن الصراع بين «الأرض والسماء» كان عنوانًا لسنوات من الكفاح بين منظومات الدفاع الجوي المصرية والطائرات الإسرائيلية، مؤكدًا أن قادة حرب 1967 هم أنفسهم الذين قادوا نصر 1973 بعد أن استوعبوا دروس الهزيمة وحولوها إلى طاقة انتصار.
وأشار فرغلي إلى دور الإعلام الوطني آنذاك، وخاصة جريدة الأهرام ، في رفع الوعي الشعبي وتعبئة الرأي العام، مؤكدًا أن جميع مؤسسات الدولة كانت تعمل في تناغم لخدمة هدف واحد هو استرداد الأرض والكرامة، وربط بين الماضي والحاضر، مؤكدًا أن الحفاظ على الأمن القومي المصري يتطلب وعيًا وإرادة واستمرار العمل بروح أكتوبر.
ثم تحدث الدكتور محمد محروس غزيل، مدرس التاريخ الحديث المساعد بجامعة القاهرة، عن الدور الوطني والتوعوي الذي قامت به الصحافة المصرية خلال حرب أكتوبر، مستعرضًا نماذج من تغطيات جريدة الأهرام التي لم تكتفِ بسرد العمليات العسكرية على الجبهتين المصرية والسورية، بل رصدت ردود الفعل الإسرائيلية والعالمية، ونشرت البيانات العسكرية والخرائط والصور التي حفزت الروح الوطنية لدى المواطنين، وأسهمت في رفع معنويات الشعب المصري في تلك المرحلة الحاسمة.
أما الدكتور أحمد متولي، فتناول في مداخلته الأبعاد الاستراتيجية والسياسية لحرب أكتوبر، مؤكدًا أن النصر لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة تخطيط دقيق وجهود متكاملة من القيادة السياسية والعسكرية، مشيرًا إلى أن تجربة أكتوبر تظل مدرسة في الإدارة والتخطيط والقيادة، ودليلًا على أن الإرادة قادرة على تحويل المستحيل إلى واقع.
كما تحدث الكاتب الصحفي أحمد عاطف عن أهمية توثيق بطولات أكتوبر بأسلوب صحفي وثقافي يواكب تطور الوعي لدى الأجيال الجديدة، داعيًا إلى استخدام الوسائط الحديثة والسرد القصصي في إعادة تقديم التاريخ العسكري المصري بلغة معاصرة تحافظ على روح البطولة وتصل إلى الشباب.
واختتمت الندوة بكلمة الباحثة العسكرية أميرة فكري، التي تحدثت عن الذاكرة الوطنية وإحياء ذكرى الشهداء، مؤكدة أن الحرب لم تكن مجرد معركة على الأرض، بل معركة على الوعي أيضًا، وأن تخليد تضحيات الشهداء هو واجب وطني وإنساني لضمان استمرارية روح الانتماء والولاء. وأشارت إلى أن النصر سيبقى حيًا ما بقيت الذاكرة الوطنية يقظة، مستلهمة من تضحيات الأبطال دروس الإصرار والعزة والكرامة.