اخبار عاجلة

عواصف وضجيج

 

 

 

بقلم المستشار حسن الشريف الخبير الثقافي لمجموعة ولي العهد الامير محمد بن سلمان

 

 

 

من على ضفاف نهر النيل العظيم، ومن مصر أم الدنيا، منارة الحضارة والثقافة، متوجهًا إلى جهة الشرق حيث موطني الذي وُلدت من ترابه، أستنشق عبير هواه، مشاركًا مع أصدقائي في مصر أجمل أوقات حياتي، في ندوات وفعاليات ثقافية تزيدني علمًا وثقافة.

 

بدأت القصة في يوم ٢٩ رمضان ١٤٤٦هـ، وأثناء تناولي الإفطار مع أصدقائي من مصر. كانت الأغلبية في مصر مستعدة لأن يكون رمضان ٢٩ يومًا، أما في السعودية، فكان أغلب الناس يتوقعون أن رمضان ٣٠ يومًا. فجأة أعلنت السعودية أن رمضان ٢٩ يومًا، بينما أعلنت مصر أن شهر رمضان المبارك ٣٠ يومًا. هنأني زملائي لأني كنت مسافرًا إلى السعودية لقضاء إجازة عيد الفطر. وأنا في طريقي إلى المطار، تفاجأت بانتشار شائعة أطلقتها بعض القنوات الفضائية الخبيثة وبعض الصحف الإلكترونية التي تُسمّي نفسها بأسماء مصرية، سواء مدن أو دولة، مفادها أن الملك السعودي قد دفع كفارة لأن رمضان “مفروض” أن يكون ٣٠ يومًا.

بدأت حملة ضد رؤية الهلال في المملكة العربية السعودية، وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي بالانتقادات اللاذعة والتدخل في أمور لا تعني أحدًا. وبعدها مباشرة، وأثناء زيارة فخامة الرئيس الأمريكي السيد ترامب، بدأت حدة الهجوم تتصاعد بسبب الاستثمارات السعودية، مع أن أغلب الشعب المصري، كلما حصل استثمار خليجي في مصر، قالوا: “مصر انباعت يا ولاد”.

 

ومع بداية تنظيم وزارة الداخلية السعودية لموسم الحج تحت شعار “لا حج بدون تصريح”، تم إطلاق هاشتاق: #حج_غير_آمن.

 

ثم بدأت حملة تستهدف الأمين العام ومقر الجامعة العربية.

 

هنا بدأت الهجمات الشرسة من الحشرات الإلكترونية على منصات التواصل وبعض الصحف الإلكترونية التي تحمل أسماء منسوبة لجمهورية مصر الحبيبة، وكانت في تصاعد ملحوظ ونبرة حادة. ومع كل هذه النبرة، شاهدنا “إرجافًا” ليس بمستغرب من بعض معدي المحتوى من مصر الحبيبة على منصة يوتيوب، ممن يطلقون على أنفسهم “مشاهير”، وهم لا يملكون المعلومة الأكيدة، بل يملكون جمهورًا يسوقون عليه ترهاتهم بحجة “مصدر موثوق”.

 

صادف معهم مرة، فافتكروا أن كل مرة ستصادف معهم!

 

أسأل نفسي: من المستفيد؟!

 

أحاول أن أنشر منشورات إيجابية تؤكد أن هذا توجه أفراد، وليس توجه دولة، لأننا نعيش في مصر بين أهلنا ونحظى بمعاملة حسنة من أفراد الشرطة.

 

إلى أن ظهر بعض الإعلاميين المحسوبين – في الظاهر – على مصر، لكنني مؤمن بأن بعض الناجحين في مجالهم قد يُصابون بلحظة بمرض جنون العظمة، فيأخذهم إلى منحنى خطير أكبر من حجمهم.

 

في الوقت نفسه، لم أكن مستغربًا من هذه الحملة الشرسة من بعض الإعلاميين، خاصة أنني أعلم الجهة المخولة بمحاسبة الإعلاميين المنتسبين لنقابة الصحفيين المصريين، ألا وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وذلك حسب نص الدستور المصري.

 

ومع تصاعد الحملة الشرسة، بدأ الشعب السعودي يرد على المصريين، واتُّهِموا بأنهم “لجان إلكترونية”، لكن ظل هناك بصيص أمل في العلاقات الأخوية المشتركة. وكان لا بد من الدفاع عن وطننا وحكامنا آل سعود – حفظهم الله – فالعلاقة التي تربط المواطن السعودي بحكامه تختلف عن علاقة أي حاكم بمحكوم؛ فالعلاقة هي:

 

“روح في جسد”

فلا جسد بلا روح، ولا روح بلا جسد.

 

ويملك الشعب السعودي مادة في نظام الحكم (المادة رقم ٣٤) تجيز لنا الدفاع عن وطننا وحكامنا آل سعود – حفظهم الله. لكننا تربينا من خلال مناهجنا الدراسية على أن الوطن العربي وحكامه وشعوبه خط أحمر، وتعلمنا ألا نفجر في الخصومة.٧

 

تعلمنا أن نرد على السيئ بعينه، بعيدًا عن وطنه أو حاكمه أو شعبه بأكمله. وهنا، لا أدّعي المثالية أو الكمال، فمن المؤكد أن هناك من كان مندفعًا من كلا الشعبين.

 

مع كل ما كنت أشاهده من صراع على وسائل التواصل الاجتماعي، كنت مؤمنًا بأن عمق وأزلية العلاقات التي تربط بين القيادتين الرشيدتين أقوى بكثير مما نشاهده.

 

فالعلاقات التي تربط بين البلدين علاقات أزلية وثابتة، ووحدة مصير. قد تصعد وتهبط، لكنها تظل راسخة رسوخ جبل طويق في مملكة العز، ونهر النيل العظيم في مصر الكنانة.

 

تساءلت في لحظة: أين دور العقلاء من السعودية ومصر؟

 

حتى غرد سعادة اللواء الطيار عبدالله القحطاني، والأستاذ سلمان بن حثلين، والأستاذ أحمد الفيفي، على منصة تويتر، بتغريدات تعبّر عن عمق العلاقات السعودية المصرية والمصير المشترك.

 

ثم بدأ معالي الدكتور مصطفى الفقي، ومعالي الوزير الأسبق السيد عمرو موسى، وسعادة النائب السيد مصطفى بكري بنشر مقاطع وتغريدات إيجابية تعبّر عن عمق العلاقات بين البلدين.

 

لكن للأسف، فشل رهاني مجددًا على العلاقات الاجتماعية التي تربط بين الشعب السعودي الأصيل والشعب المصري الشريف، ومواليد السعودية ومصر من الشعبين. للأسف، لا حياة لمن تنادي. آمل أن تكون هناك برامج توعية تُغلِّب المصلحة العامة على المصالح الشخصية.

 

وبعد كل هذا الهرج والمرج على منصات التواصل الاجتماعي…

 

قامت القيادتان الرشيدتان في السعودية ومصر بإطلاق مجلس تنسيق أعلى، يترأسه كلٌّ من سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وفخامة الرئيس المصري السيد عبد الفتاح السيسي – حفظهما الله.

blank

بعد أن ظن هؤلاء “الحشرات” و”المؤدلجين” و”المسيّسين” أنهم حققوا مبتغاهم، أتتهم المفاجأة من حيث لا يعلمون.

 

آمل منا كشعبين، سعودي ومصري، أن نُعمّق أواصر العلاقات الاجتماعية، ونترك الأمور السياسية لقياداتنا الرشيدة، فالمنطقة تشتعل من حولنا جميعًا.

 

الدول تسعى للاتحاد والتكامل، وبعض الشعوب العربية تسعى للتنافر والتزاحم.

التنافس الشريف مهم بيننا كشعوب، لكن داخل إطار من الاحترام والوعي.

 

كلها أيام ونحتفل – إن شاء الله – بذكرى ٣٠ يونيو، ويتبعه الربط الكهربائي السعودي المصري، الذي سيُعيد المنفعة على البلدين بالطائرة، لا بالكلام فقط.

شاهد أيضاً

blank

د شيرين العدوي تكتب : حقل الظل والموت عند تسلا

    لقد عمل تسلا لسنوات على مشروع سرى سماه «حقل الظل» أو الحقل الروحى …